مقالات مدى

قرار الرئيس عباس: قراءة في الإعلان الدستوري ومستوى قانونيته في ظل غياب المجلس التشريعي

مدى الاخبار: أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) إعلانًا دستوريًا يقضي بتولي رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مهام رئيس السلطة الفلسطينية مؤقتًا في حال شغور منصب الرئيس، وذلك لحين إجراء انتخابات رئاسية وفق قانون الانتخابات الفلسطيني. يأتي هذا الإعلان في وقت حساس تمر به القضية الفلسطينية، مع تحديات سياسية واقتصادية غير مسبوقة.

الإطار القانوني والدستوري للقرار

وفق القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور المؤقت)، تنص المادة 37 منه على أنه في حال شغور منصب رئيس السلطة، يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهامه مؤقتًا لمدة 60 يومًا تُجرى خلالها انتخابات رئاسية. ولكن منذ عام 2007، يعاني النظام السياسي الفلسطيني من غياب المجلس التشريعي نتيجة حله بأمر من المحكمة الدستورية في ديسمبر 2018. هذا الوضع خلق فراغًا تشريعيًا وقانونيًا عطل تطبيق العديد من النصوص الدستورية، ومنها الآليات المتعلقة بشغور منصب الرئيس.

الإعلان الدستوري الجديد يستند إلى غياب المجلس التشريعي، ليمنح هذه الصلاحيات لرئيس المجلس الوطني الفلسطيني كبديل مؤقت. الرئيس عباس علل القرار بأنه يأتي في سياق حماية النظام السياسي الفلسطيني، وضمان انتقال سلس للسلطة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها فلسطين.

الجدل حول قانونية القرار

يثير الإعلان الدستوري عدة تساؤلات حول مدى توافقه مع أحكام القانون الأساسي الفلسطيني:

1. تجاوز اختصاصات الرئيس:

الرئيس لا يملك صلاحية تعديل القانون الأساسي أو إصدار إعلانات دستورية تؤثر على الهيكل السياسي دون موافقة المجلس التشريعي، وهو ما يجعل القرار محط جدل قانوني.

القانون الأساسي واضح بشأن الجهات المخولة بتولي منصب الرئيس مؤقتًا، وبالتالي أي تعديل يحتاج إلى جهة تشريعية منتخبة وليس قرارًا فرديًا.

2. غياب المجلس التشريعي:

غياب المجلس التشريعي أوجد فراغًا دستوريًا، لكن هذا الفراغ لا يمنح الرئيس صلاحيات مطلقة لتغيير النصوص الدستورية.

المحكمة الدستورية الفلسطينية، رغم سلطاتها الموسعة بعد تعديلاتها الأخيرة، لم تصدر قرارًا ينص على آلية جديدة لشغل منصب الرئيس.

3. دور المجلس الوطني الفلسطيني:

المجلس الوطني الفلسطيني، رغم دوره التمثيلي الواسع في منظمة التحرير الفلسطينية، ليس جزءًا من مؤسسات السلطة الفلسطينية وفق القانون الأساسي، وبالتالي منحه صلاحية مؤقتة لرئاسة السلطة يعتبر خروجًا عن النصوص الدستورية.

تداعيات القرار

الإعلان الدستوري يعكس حجم الأزمة السياسية والمؤسسية التي يعيشها النظام الفلسطيني. غياب المجلس التشريعي خلق فراغًا دستوريًا يزيد من تعقيد عملية انتقال السلطة، ما يفتح المجال أمام تفسيرات متعددة ومتناقضة للنصوص القانونية.

على المستوى السياسي، قد يثير القرار حفيظة بعض الفصائل الفلسطينية التي ترى في المجلس الوطني ممثلًا لمنظمة التحرير وليس للسلطة الفلسطينية. كما قد يُستخدم القرار كورقة إضافية في ملف الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تتهم حركة حماس السلطة بانتهاك النصوص القانونية وتعزيز التفرد بالقرار.

نقول أن قرار الرئيس عباس بإصدار إعلان دستوري في غياب المجلس التشريعي يعكس تحديات الواقع السياسي والقانوني الفلسطيني، لكنه يثير جدلًا واسعًا حول مشروعيته وأثره على النظام السياسي الفلسطيني.

في ظل غياب مؤسسات تشريعية منتخبة قادرة على إقرار التعديلات اللازمة، يصبح من الضروري إعادة النظر في آليات بناء الشرعية الفلسطينية، بما يضمن احترام القانون الأساسي وحماية النظام السياسي من الأزمات المتكررة.

زر الذهاب إلى الأعلى