مقالات مدى

ترجل الفارس عن صهوة جواد الحياة..

كتب : محمود جودت محمود قبها

مدى الاخبار: انحني لك أستاذي بدءاً انحناءة إجلال وبخشوع الممتنّ، والمقرّ بفضل. لقد كنت إنسانا نقياً باهراً، وكنت أستاذاً ومعلماً شريفاً وكنت عالماً بالجغرافيا وتاريخ  وبأربع لغات شرقية وتؤمن بحرية الإنسان والتقدم إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع و إننا لمحزونون على فراقك يا استاذنا عبد الجبار شاكر قبها رحمك الله إنني اقف عاجز أنا وقلمي أمام هذه الفاجعه المفاجئة…فلا العقل يستوعب ولا القلم يستقطب اتحدث اليك من عالم الدنيا الفانية انا وكل من علمتهم حرفا في كلمة في جملة…ثم تحولت الجمل إلى عبارات ودلالات بالدروب والطرقات…سهاما ومؤشرات في مسارات الحياة..


أستاذ الجغرافيا و معلم الحضارة ….

كم هي قاسية لحظات الوداع والفراق ، التي تسجل وتخزن في القلب والذاكرة ، وكم نشعر بالحزن وفداحة الخسارة والفجيعة ، ونختنق بالدموع ، ونحن نودع واحداً من جيل المربين والأساتذة الأفاضل المؤمنين بالرسالة التربوية العظيمة ، الناكرين للذات ، من ذلك الزمن الجميل البعيد ، أستاذنا جميعاً ، المربي المرحوم عبد الجبار شاكر قبها (أبو معتز) ، الذي فارق الدنيا ، بعد مسيرة عطاء عريضة ، ومشوار حياة في السلك التعليمي والعمل التربوي والاجتماعي ، تاركاً سيرة عطرة ، وذكرى طيبة ، وروحاً نقية ، وعبق أريج نرجسة في ربى الروحة ، وشذا شجرة برتقال يافية ، وميراثاً من القيم والمثل النبيلة .

فيا أيها الانسان الطيب ، الاستاذ  المخلص ، ويا نبع العطاء والنهر المتدفق حباً لعملك ، يعز علينا فراقك ، في وقت نحتاج فيه الى امثالك من الرجال الأوفياء الصادقين  ومهما كتبنا من كلمات رثاء، وسطرنا من حروف حزينة باكية، لن نوفيك حقك لما قدمته من علم ووقت وجهد وتفانٍ في سبيل شباب ورجال المستقبل والغد ، وعلمتنا من أخلاق وقيم فاضلة ، وغرست فينا حب العلم والمعرفة ، ونميت في اعماقنا قيم المحبة والخير والانتماء سنوات طويلة أمضاها في مدرسة برطعة ، التي شرفها وتشرفت به ، فكان رسول علم ومعرفة ، وجدول عطاء وتضحية ، ونعم المعلم والأستاذ والأب الحنون والأخ الودود والصديق الصدوق  فكان قدوة ونموذجاً ومثلاً يحتذى في البساطة و الوداعة والرقة والعطف والحنان وعمل الخير وسمو الأخلاق وطهارة النفس و الروح ونقاء القلب والعفوية والتسامح  واعطى كل ما لديه بلا حدود ، ودون كلل أو ملل ، في مهنة ورسالة هي من أصعب المهن ، واهم الرسالات ، رسالة العلم والتربية ، بكل ما تحمله في طياتها من المعاني ، التي في صلبها بناء الإنسان ، وبناء الوطن ، وبناء المجتمع  .

استاذيَّ الراحل الباقي، أقول لكَ اليوم بأنَكَ كنتَ نموذجاً ومثلاً يحتذى به في البساطة والذوق واحترام الآخر والمختلف، لقد نظرتَ كل الوقت، الى الإنسان فينا ولم تُعرْ يوما انتباها أو اهتماما، لديننا أو مذهبنا أو انتمائنا السياسي، وما أحوجَنا في هذه الأيام للكثيرين من أمثالك لقد عرفنا سموَ أخلاقك وطهارةَ نفسكَ ونقاءَ قلبك، ولمسنا حبَكَ للحياة ولأسرتكَ الكريمة، فلم تترفع أبدا أستاذيَّ الراحل الباقي، ابا المعتز، لقد غيبَك الموتُ عنَّا جسداً، لكنَّ ذكراك ستبقى في وجداننا ما بقينا على قيد هذه الحياة، فنم قريرَ العين لأنكَ خالدٌ فيما عملتَ وقدمتَ، وفي مَن خلّفتَ مِن خلفٍ صالح لخير سلف نم مرتاح البال والضمير ، فقد أديت الامانة وقمت بدورك على أحسن وجه ، والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون  وما لي في وقفة الوداع سوى هذين البيتين من الشعر قالهما شاعر النيل حافظ ابراهيم في رثاء صديقه ومجايله أمير الشعراء احمد شوقي :

خلقت في الدنيا بياناً خالداً وتركت أجيالاً من الأبناء

                  وغداً سيذكرك الزمان لم يزل للدهر انصاف وحسن جزاء

رحمك الله يا أستاذي عبد الجبار شاكر  رحمك الله يا من كنت لنا معلما وأستاذا قديرا…ومرشدا للدرب منيرا يا من رافقتنا بكرة وأصيلا في كل رحلة وجولة لتشرح ما هو مبهما غامضا فكنت نعم الخبيرا …رحلت يا معلمي ويا رفيق درب أبي ومن كان له أخا…صديقا وفيا مخلصا ونصيرًا رحلت وكم كان رحيلك صادما مريرا برطعة باقية فيك يا أبا المعتز وأنت ترقد هناك في سحاب برطعة جزء منك… برطعة فقدتك وأنت فخرا وفجرا ينبض بمستقبل قادم … برطعة لن تبكي على الفراق ولكنها تبكي لأنها فقدتك يا خير الرجال  وقوله تعالى
( مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ) رحمك الله إستاذي ومعلمي وأدخلك فسيح الجنان وجمعك على حوض الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وإنا لله وإنا إليه راجعون.

أيها المعلم العظيم الذي ارتحل، لقد  علمتني دروساً ولكن الدرس الأعظم الذي علمتني إياه، وأكدته عليَّ، هو ان يظل إيماننا بأفكارنا وبالإنسان والحياة وان “قد يموت الحبيب ويموت الزرع ومن نحب وما نحب ولكن الفكر لن تموت أستاذي العظيم معلمي عبد الجبار شاكر قبها
لقد انحنيت لك إجلالاً قبل أن أبدأ الكلام، وها أنا أنحني إجلالاً مرة اخرى، قبل أن أضع  نقطة انتهاء الكلام .

زر الذهاب إلى الأعلى