حرب غزة،،،،،متى ينقشع غبار المعركة؟وكيف تضع الحرب أوزارها؟!
مدى الاخبار:
بقلم :- حسن مليحات(الكعابنة)
كاتب وخبير أستراتيجي
بعد مضي 43 يوما من الحرب الشعواء التي تشنها دولة الاحتلال المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية ودول اوروبا الغربية،وبعض من الأنظمة العربية التي ألقت بالعروبة والمروءة في غياهب الجب،وجاهرت بالعهر السياسي مع قوى الاستعمار والشر في العالم لتحافظ على غزيرة حب البقاء- لا أدام الله لها بقاءا بعد اليوم- والتمترس خلف كراسي الحكم الواهنة،وتوغل القوات الأسرائيلية في محاور عدة من مدينة غزة بهدف تحقيق أهدافها المعلنة وهي سحق المقاومة،وتحرير الأسرى،وتهجير سكان غزة الى سيناء، واعادة انتاج نكبة العام 1948،وتقليص مساحة القطاع بما يؤدي الى عودة الأمن المفقود لمستوطنات غلاف غزة،وفي ظل الدمار الكبير وغير المسبوق الذي حل بقطاع غزة،بفعل الجرائم التي ترتكبها ألة الحرب الأسرائيلية ضد المواطنين،والتي أدت الى استشهاد ما يقارب(12000)اكثرهم من النساء والأطفال،ونزوح اكثر من نصف سكان قطاع غزة داخليا بفعل الحرب المدعومة من قبل قوى دولية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية المسكونة بهاجس الفزع من العروبة والأسلام،لقد أصبح جليا أصطفاف قوى الأستعمار والشر وبعض دول العار العربي مع دولة الاحتلال،بالأضافة الى مدها بكل وسائل الابادة والاجثتاث للشعب الفلسطيني سواء أكان في غزة او في الضفة الغربية،وفي المقابل يقف الفلسطينيون وحيدين لا نصير لهم ولا داعم لهم وحتى لا بواكي لهم،الا من بعض المسيرات والمظاهرات التي تجوب العالم احتجاجا على تلك الحرب التي تأبي ان تضع اوزارها،ويبدو أن قواعد اللعبة ما بعد الحرب تختلف عما قبلها،وبعد انتهاء الحرب ستتغير حكومات وانظمة وحركات،كأحد اهم المخرجات التي ستسفر عنها نتائج الحرب بعد انقشاع غبار المعركة،لقد كانت عملية طوفان الأقصى بمثابة صاعقة قد أصابت دولة الاحتلال،وكشفت عورة الدول الغربية التي لطالما تغنت بحقوق الانسان،واظهرت بما لا يدع مجال للشك مدى تساوق الانظمة العربية وخستها مع عمليات ابادة الفلسطينين،وستكون لها تداعياتها وارتداداتها لسنوات طويلة،وربما تمتد الى اجيال قادمة،لذلك ترفض حكومة الاحتلال ايقاف حربها ضد قطاع غزة وانتقامها قبل ان تحقق بعض صور النصر الوهمية لتسويقها للرأي العام الأسرائيلي، او يتراءى لها خطر هزيمة كبرى قبل تحقيق اهداف الحرب التى يعد تحقيقها ضربا من الخيال حسب الخبراء خلال مدة زمنية قصيرة.
وبأستعراض سريع لمجريات المعركة في الميدان نرى بأن أختلاف أسباب الحرب الحالية على غزة عن سابقاتها من الحروب الأخرى،تؤكده كثافة النيران الأسرائيلية التي تستهدف المدنيين والمستشفيات وسيارات الأسعاف والصحفيين،بما مؤداه بأن دولة الاحتلال تمارس سياسة الأرض المحروقة في حربها على غزة،للقضاء على كل مقومات الحياة،وللدفع بمخطط التهجير للمضي قدما وجعله واقعا ملموسا،وتحويل غزة الى خراب ومأوى للبوم والغراب،وتسعى ايضا لتحقيق اي انجاز عسكري ضد المقاومة في غزة،وما يحرك الحرب الأسرائيلية على غزة سببان رئيسيان،أولهما صدمة الهزيمة العسكرية المدوية والأخفاق الامني والاستخباراتي الذي تم انجازه عند أطلاق المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى،وثانيهما ورطة وقوع عدد هائل من الأسرى لدى كتائب القسام والفصائل الأخرى،لذلك وضع قادة دولة الاحتلال هدفا كبيرا وشبه مستحيلا وهو القضاء على حركة حماس وتقويض سلطتها في غزة،واهدافا فرعية من بينها تحرير الأسرى،ولانعكاسات الحالة النفسية بسبب وقع الصدمة،ذهب الأسرائيليون مباشرة الى الهدف النهائي وهو تدمير حماس،وكان هذا السقف عاليا من الصعب تحقيقه،وان حصل ذلك فلن يكون الأ بأثمان باهظة جدا لا يستطيعون دفعها،وعند مقارنتها بالحروب السابقة في الأعوام 2008و2014،نجد ان هدف تدمير حماس كان هدفا أساسيا لمعظم الحروب الأسرائيلية على غزة، ولكنه لم يتحقق،وليس هناك ما يدعو للأعتقاد أن سيكون قابلا للتحقيق هذه المرة،خصوصا وان الحركة اكتسبت مزيدا من القوة والصلابة والمهارة،وطورت قدراتها العسكرية وترسانتها بشكل يصعب اختراقه،وهي بموازة ذلك ليست جيشا نظاميا ليعلن استسلامه،بل هي حركة مقاومة شعبية ممتدة في مسار نضال فلسطيني ممتد ومستمر.
وعند الحديث عن مجريات المعركة وتحليلها بعد أنقضاء (43)يوما من احتدامها وتحديدا بعد بدء الحرب البرية،لا يبدو أن اسرائيل تحقق مكاسب ميدانية وعسكرية في الميدان،فمن ناحية عملية ورغم توغل الجيش الأسرائيلي في بعض محاور القتال في غزة الأ انه يلاقي مقاومة شديدة، واشتباكات عنيفة مع المقاومة،أوقعت خسائر كبيرة في الياته العسكرية وفي صفوف جنوده وضباطه وهو ما تبثه المقاومة عبر فيديوهات مصورة التي تحدثت عن ما يقارب تدمير (220)ألية ودبابة اسرائيلية منذ بداية الحرب،وهذا يؤشر بشكل تقريبي بأن دولة الاحتلال قد خسرت الكثير من جنودها اثناء القتال بغض النظر عما تعلنه اسرائيل من اعداد للجنود القتلى،وسط شبكة معقدة من الأنفاق وحقول الألغام والقناصة، والأشتباك من النقطة صفر مع العدو، هذا بالأضافة الى أرادة قتال غير محدودة لدى المقاومة،في مقابل الأجواء النفسية التي تخيم على الجنود الأسرائيليين الذين يخافون الدخول في أتون جحيم غزة، الذي يجعل من العودة من رمال غزة أشبه بمعجزة، ويستحضرون تجارب زملائهم في حرب غزة 2014،فوفقا لسير العمليات العسكرية الراهنة،تفقد اسرائيل ما يقارب 5 جنود يوميا على محاور القتال حسب المعلومات التي يتم نشرها من جانبهم دون تقدم مؤثر عسكريا،وأصبحت أسرائيل تخوض حربا بدون خطة واضحة بسبب شراسة المعركة،وبالتالي اضحى تقدمها بطيئا ومحسوبا في داخل غزو،وتخوض حرب أستنزاف مع المقاومة في ازقة وشوارع غزة، وهو اخر ما ترغب به اسرائيل،وبذلك يستغرق تحقيق اهدافها وقتا طويلا وخسائر لا تقوى على احتمالها،ويدرك المسؤولون الأسرائيليون انه من المستحيل تحرير الأسرى عسكريا لكنهم يمضون في حربهم الخاسرة تحت ضغط داخلي وتشير التصريحات المتناقضة لدى اعضاء مجلس الحرب الأسرائيلي الى تخبط وحيرة في أدارة المعركة بسبب المقاومة الشديدة،وهنا يثور تساؤل مهم:- ما هي السنياريوهات المتوقعة لتضع الحرب أوزارها؟!!
أزاء هذه الحرب المسعورة التي حمي وطيسها في غزة،وأمام هذا السياق المشحون بالأحداث،لا بد من القول بأن هناك حقائق ميدانية تؤثر بشكل فعال على السيناريوهات المستقبلية،وأهمها القوة والأمكانيات العسكرية الأسرائيلية الهائلة،والمدعومة بشكل كبير وأستثنائي من الولايات المتحدة الأمريكية ودول اوروبا الغربية،وكذلك النجاحات الميدانية للمقاومة الفلسطينية رغم سقوط عشرات الألاف من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين، الأ انه يبقى من الثابت أن الامر غاية في الصعوبة،وما بين يدي تعدد سنياريوهات نهاية الحرب الحافلة بالاحداث الميدانية والعسكرية المتجددة يوميا،وبأستشراف لمجريات الميدان ووقائع القتال يمكن تصور ستة سنياريوهات لنهايتها،اولا تمكن المقاومة الفلسطينية عبر حرب الأستنزاف التي تخوضها من تكبيد جيش الاحتلال خسائرة كبيرة في الأفراد والمعدات والأليات،وهذا ما تؤكده التسجيلات المصورة التي تبثها المقاومة الفلسطينية،الامر الذي سيزيد أضطراب دولة الأحتلال ويدفعها للدخول في مفاوضات لانهاء الحرب،والثاني تمكن جيش الاحتلال من القضاء على المقاومة الفلسطينية باستخدام قنابل ذات قدرة تدميرية عالية جدا لم يسبق له استخدامها من قبل،تصل الى أعماق بعيدة في باطن الأرض،ولكن هذا السيناريو من الصعب تحقيقه بسبب تعقيدات شبكة الأنفاق وتشعبها،والثالث ان تعمل اسرائيل على اطالة امد الحرب في غزة بغض النظر عن الضغوط المحلية والدولية أملا في تحقيق اهدافها المعلنة،مقابل قدرة المقاومة على الصمود،خاصة وان القيادة السياسية والعسكرية الأسرائيلية تتحدث عن امكانية استمرار الحرب لأشهر طويلة بغض النظر عن الخسائر البشرية والمادية التي توصف بالمؤلمة، والرابع اضطرار فصائل المقاومة الى اعلان وقف القتال بفعل كثافة نيران الاحتلال ونجاحه في تدمير الجزء الاكبر من شبكة الانفاق،حيث سيؤدي ذلك الى انقطاع التواصل بين فرق المقاومة،وصعوبة وصول الذخائر والمعدات والمؤن،ولكن هذا الاحتمال ضعيف لتعارضه مع العقيدة القتالية الأستثنائية لكتائب المقاومة،وهي عقيدة لا مكان للأستسلام او الهروب من الميدان فيها،فهذه العقيدة مؤداها باختصار النصر او الشهادة، والخامس انطلاق مسار للتهدئة الأنسانية سيقود الى المزيد منها،باعتبار ذلك درجات سلم لكي ينزل نتنياهو عن شجرة الحرب،بمعنى أن الاهداف الاسرائيلية المعلنة من الحرب تبدو بعيدة المنال في ظل عدم نجاح القوات البرية في تحقيق انجازات واضحة على حساب المقاومة في غزةـ،ويحتاج هذا السيناريو الى سلسلة متلاحقة من الهدن الانسانية،مع استمرار فشل اسرائيل في تحقيق اهدافها العملياتية المتعلقة بعدم السيطرة على المناطق التي تتواجد فيها،والسادس حدوث مفاجات غير متوقعة عسكرية او سياسية او بيئية او شعبية،تؤثر على سير المعركة ،وتدفع باتجاه وقف عاجل لأطلاق النار والدخول في مفاوضات سياسية.
وفي الختام نخلص الى القول بأن النتائج المترتبة على العمليات العسكرية في الميدان تلعب دورا مهما وحاسما باتجاه الدفع نحو أي من السيناريوهات السابقة،ولكن حتى هذه اللحظة يبقى سيناريو اطالة امد الحرب هو الأكثر ترجيحا،لأنه يخدم مخطط الاحتلال الرامي لتهجير سكان غزة،وبدرجة أقل يأتي سيناريو التهدئة التدريجية التي تقود الى وقف اطلاق النار،وان دولة الاحتلال قد وقعت في حقل ألغام،وان أي سيناريو تريد ان تسلكه لن يكون سهلا عليها،بل أن استمرار الاشتباكات العنيفة والضارية مع المقاومة ومن نقطة صفر قد افقدت الجمهور الأسرائيلي الثقة بجيشه،فيظهر جليا ومن خلال مجريات الميدان بان المقاومة كانت قد أعدت لهذه الحرب عدتها وقد ترجمت ذلك من خلال مناورة الركن الشديد الأخيرة التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية،وفي المقابل على المشهد الاخر فقد وقع الجيش الأسرائيلي تحت صدمة كبيرة بعد أن مورست عليه اكبر عملية خداع أستراتيجي،وعلى الفلسطينين ان يدركوا بأن الحرب التي يدور رحاها في غزة هي حربا فلسطينية اعتزلها العرب والمسلمين رغم قداسة القضية فلسطين والقدس،وأدارو لها ظهر المجن،ومثالهم كمثل بني اسرائيل عندما قالوا لسيدنا موسى(أذهب انت وربك فقاتلا أنا هاهنا قاعدون)،وهي حرب تستهدف رسم خريطة المنطقة الجديدة في سياق العالم الجديد،فبدون ريب النظام العالمي القديم يتهاوى،ويمر بمرحلة انتقالية،يدور فيها صراع وتنافس على شكل ومضمون العالم الجديد الذي لم يولد بعد،وان عملية طوفان الأقصى أعادة القضية الفلسطينية الى رأس الاجندة الدولية،وأكدت استحالة القفز على الفلسطينين في أي حل،وأضعفت اسرائيل وحطمت نظرية الردع،وستؤدي بعد ان تضع الحرب اوزارها الى حدوث تغييرات كبيرة بغض النظر عن نتائجها،وان من الصعب على دولة الاحتلال التفوق على العقل الفلسطيني المعزز بثقافة الحياة والمفعم بالأمل،هذا الشعب –شعب الجبارين- الذي صفع وجه الشر،وفضح اللصوص والعملاء والمطبعين،وعرى زبانية الحروب وعبدة النار والبارود ممن يحاولون التأمر على القضية الفلسطينية في عشائهم الأخير والمشؤوم.