أجمل العلاقات الإنسانية
بقلم: المعتصم بالله محمد
مدى الأخبار:
إن من أجمل العلاقات القائمة على وجه الأرض، علاقة الزواج القائمة على شرع الله، هذه العلاقة التي لا توصف إلا بقلب انقسم إلى شطرين متلاصقين، لا يستغني أحدهما عن الأخر يمد كل واحد منهما بالأكسجين والهواء، فلا يستطيع النصف الأخر الاستغناء عن نصفه الثاني، علاقة لا يمكن وصفها إلا بعلاقة تكاملية يكمل كل واحد منهما نصفه الأخر.
وصف نجده في سيرة داهية العرب عمر بن العاص عندما كان ينادي زوجته بشقيقة القلب مقتديا بحبيبه وقدوته محمد صلى الله عليه وسلم النساء شقائق الرجال هذه المعاني السامية في ديننا الحنيف يصدقها عز من قائل “وأخذنا منهم ميثاقا غليظا” ما أجمله من تعبير وما أجملها من علاقة ليست مكتوبة بورقة عند مأذون ولا قاضي وإنما موثقة ومكتوبة بعهد من الله ومؤيدة بسنة رسول الله صلى عليه وسلم ومختومة بحب جمع بين قلبين من أنساب وأعراق بعيدة ومختلفة في العادات والطباع.
لكن الله ألف بين قلبين متحابين في الله وربط بينهما بحبل متين غليظ، لا ينتهي ولا يتوقف عند عمر محدد بل تستمر العلاقة حتى نهاية العمر وكلما كبر الزوجان اشتدت متانة العلاقة حتى وإن ذهب الشاب وذهب جماله واكتست الوجوه بقسمات الزمان وغدراته، لكن الميثاق لم يبنى على جمال زائل أو مال فاني وإنما على حب ومودة وسكينة وتأسيس أسرة مسلمة صالحة تكون قدوة لأمم ادعت الحضارة والأخلاق تعيش حالة بهائمية متفككة تدعي السعادة والرقي وهي بعيدة عنها كل البعد كالبعد بين المشرق والمغرب.
فلا سعادة إلا في أسرة مسلمة ابتغت سعادة الدارين فكان نتاجها أبناء صالحين عاملين خادمين لدينهم ووطنهم تعتمد في جذورها على قلبين متحابين جمعهما كلمة توحيد واحدة وإتباع لسنة نبينا الذي أعلى للمرأة شأنها ومقامها حتى وهو يجلس في مجلس الحكم والسياسة وانشغال لأمر العامة يسأله احد الصحابة في سؤال عابر من أحب الناس إليك يا رسول الله فيجيب عليه بإجابة سريعة تاركا أمر العامة فيقول أحب الناس إلى قلبي عائشة يقولها بكل فخر لا يخجل من ذكر اسمها فيبتهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلمنا درسا بأنه مهما بلغت من منصب وريادة الفضل أولا لله ثم لتلك الزوجة التي ترابط في بيتها لتوفر لزوجها وحبيب قلبها كل سبل الراحة فتعينه على نوائب الحق وعلى مر الدهر وقسواته وغدراته وتمسك بيده حتى وإن خذلته الدنيا بأسرها تنتظره في عش الزوجية على أحر من الجمر تستقبله بوجه بشوش وابتسامة رقيقة وكلمة حب نقية تخرج من القلب النقي الطاهر الذي لا يوجد ما في قلبها احد ينافس ملكها في عرش قلبها ثم تزيده بحضن دافئ ينسيه قسوة الناس ومرارة كلامهم فتنفتح نفسه لأكلة شهية أعدتها رفيقة عمره بأصابع وأنامل نقية يأكل من يديها أكلة هنية ثم يصيب بعدها جسده بماء بارد يعيد للروح سكينته وشبابها ثم ينام على فراش أعدته صاحبة القلب الطيب ووضعت يدها على رأسه لتشعره بحنان الأم التي وإن غابت عنه التي ربته واحتملته في بطنها تسعة أشهر شعر بأن أمه لم تفارقه لحظة.
فزوجته وحبيبته قامت مقام الأم والأخت والصديقة، فينام نومة هنية ثم يصحو من نومه فيصلي لربه الصلاة المكتوبة فيسجد سجود الشكر على هذه النعمة الجليلة فيزده الله من عطاءه وصدق من قائل “لا شكرتم لأزيدنكم” فإذا بشقيقة القلب تأتي له بكأس من الشاي محلى بأصابع تقطر شهدا وعسلا مصفى يخرج من أجمل حدائق الزهور وأنقاها وتدعوه للمسامرة ليحدثها ويتجاذبا أطراف الحديث عن يوم ملئ بالمتاعب فتسامره مسامرة الأصحاب والأخلاء فتأخذ بيديه إلى الخير و يمسك بيدها ويخرج معها بكل فخر يريد أن يخبر الناس قاطبة هذه زوجتي حبيبتي رفيقتي والاثنان في سعادة لا حدود لها كسعادة طفل حبسه والده لخطأ ارتكبه ثم أفرج عنه فخرج يركض فرحا يلعب مع أصدقائه بعد يوم صعب حرم فيه من اللعب واللهو هذه هي حقيقة الزواج المبني على تقوى من الله وأتباع لسنة حبيبنا صلى الله عليه وسلم فاختيار الزوجة يتم على دين قوي ومتين واختيار الزوج يتم على خلق ودين، فالدين بدون خلق كبحر مالح يشرب منه الناس فلا يرتو واختيار الزوج على خلق ودين كنهر عذب يروي ظمأ العطشان هذه العلاقة الزوجية والتي وإن تأسست على بينة ونور وصراحة لا كذب فيها ولا غش امتدت إلى ما بعد الدنيا إلى جنة عرضها السموات الأرض فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.