مقالات مدى

  انتحار الشباب الفلسطيني للهجرة إلى الخارج

بقلم : المعتصم بالله محمد

يعتبر الوطن هو المكان الذي يسعد القلب ويشعره بالأمان وهو المكان الذي يمسح الحزن من القلب بسهولة وهو المكان الذي يبدأ الفرد رحلته بالحياة، فيعيش ويتأقلم ضمن بيئة معينة تلازمه منذ طفولته، فمهما كبر الإنسان فإن الصورة الأولى التي تلازمه هي ذكريات الطفولة والمكان الذي يتربى فيه وتلك الحارة التي نشأ فيها والشوارع والجدران التي تسكن مخيلته، في وطنه الغالي حتى وإن سافر إلى أجمل البلاد، فإن حارته القديمة تبقى هي الذكرى الجميلة التي تسكن عقله وكيانه وهي المكان الذي تشعره بالثقة بالنفس ويخلع بها قناع الخوف ويرتدي قناع الشجاعة للدفاع عنها مهما تطلب الأمر.

فيعتبر حب الوطن جزء من عقيدتنا الإسلامية، فمن لا يحب وطنه فعنده نقص بالإيمان وخلل في العقيدة، ولقد كان لنا في رسول الله صلى عليه وسلم عندما هاجر من مكة إلى المدينة فوقف وهو يقول وينظر إليها “والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا إني خرجت منك ما خرجت” فيعلمنا النبي صلى الله عليهم وسلم درسا في حب الأوطان وأنه لم يكن هناك أمرا يخرجك من وطنك فلا تخرج منه، وتتركه للأعداء يتنعمون به وأنت في ضنك الغربة تهيم على وجهك من بلد إلى بلد.

وإن كان هذا فضل مكة فما أدراكم بفضل بلادنا، أولى القبلتين ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم وثالث الحرمين والأرض المباركة الوحيدة المذكورة في القران، فالبركة تحل على أرضها وعلى سكانيها وعلى ما يخرج منها.

ولكن للأسف نحن لم نعرف قيمة وطننا، فعدونا منذ الأزل عرف قيمة هذه الأرض وتمسك بها وتعتبر من عقيدته الصلبة السكن في هذه الأرض، فلقد عرض على الصهاينة عدة بلاد لكي يسكونا فيها، إلا أن تيار الصهاينة البارزين وعلى رأسهم جولد سمد تمسكوا بإنشاء قوم وطني على أرض فلسطين، وأقنعوا هرتزل بالفكرة بالرحيل إلى فلسطين في عام 1896، لنبدأ مرحلة جديدة من الصراع بين الحركة الصهيونية والدولة العثمانية المتمثلة بالسلطان عبد الحميد الثاني.

وقبل ذلك كان الاحتلال البريطاني لهذه الأرض المباركة وشهدت تلك الفترة صراعا قاسيا بين الفلسطينيين أصحاب الأرض والمحتلين الغزاة البريطانيين وقدمت فلسطين خيرة شبابها وأفذاذها، فكان الثلاثة محمد جموم وعطا الزير وفؤاد حجازي مثالا للتضحية في سبيل الوطن ولأجل فلسطين، فكانوا يتزاحمون على حبل المشنقة.

ثم يتقدم أسدهم عطا الزير وهو الثالث فطلب أن ينفذ حكم الإعدام دون قيود، إلا أن طلبه قد رفض فحطم قيده وتقدم نحو حبل المشنقة، رافعا رأسه ليكون مثالا للتضحية والاستبسال من أجل فلسطين.

ثم تمر القضية الفلسطينية بمراحل صعبة منذ العام 1948، ثم العام 1967، مرورا بالانتفاضة الأولى والثانية وحروب متتالية، حصدت مئات آلاف الشهداء والجرحى من أجل قضتنا المقدسة، ولقد كان السبب الأول والأهم لدى الاحتلال الإسرائيلي من شن الحروب على شعبنا هو أن ينزع حب وطننا من قلوب شبابنا، ولقد نجح في ذلك.

فترى كثير من شبابنا اليوم هاجر إلى خارج قطاع غزة وآخرين يفكرون بالهجرة ويتلهفون على فتح المعبر البري الوحيد الواصل إلى العالم الخارجي ليهربوا بأجسادهم إلى مصير مجهول كرها بالوطن، وحبا بالغربة وقد تركوا ورائهم بيوتهم وعائلاتهم، وفتيات في عز شبابهن تأكلهم العنوسة ويركضون وراء وهم زائف بالحياة السعيدة في أوروبا التي ملأت بالمهاجرين من شتى الأعراق وما عرفوا أن ما أقدموا عليه ما هو إلا شقاء وتعاسة، فماذا سيفعل شبابنا؟ هل سيعملون في شركات كبرى أم في وظائف حكومية؟؟ ولكن للأسف الشديد سيعملون في أعمال متدنية في طبقة المجتمع وبرواتب زهيدة لا تكفى السكن والطعام، فما لها من حياة لا تسر صديق ولا تعيظ العدى.

وكان بإمكانهم أن يعيشوا في وطنهم معززين مكرمين بين أهلهم متزوجين من طينة بلادهم يأكلون ويشربون ويسكنون ويعملون في عمل يحترم إنسانيتهم وكرامتهم حتى وإن كان براتب زهيد ولكنه مبارك في أرض مباركة وإني ناصح أمين لشبابنا بعدم الخروج من هذه الأرض المباركة والعمل على بناء وطن متوحد الأطراف، ينافس البلاد الأخرى في التقدم والازدهار ويحترم فيه الإنسان ويعيش فيه بكرامته.

زر الذهاب إلى الأعلى