الوقود والفوضى وثقافة المستهلك
بقلم: صلاح هنية – رئيس جمعية حماية المستهلك
مدى الاخبار: المحطة الأولى التي يجب التوقف أمامها في طوشة محطات الوقود وإعلانها التوقف عن العمل اعتباراً من صباح الأحد، محطة ثقافة المستهلك التي تبدو هشةً ضعيفة متأثرة بأي إشاعة أو طارئ، في هذه الأزمة تدافع الناس بالمئات على محطات الوقود لتعبئة خزانات وقود مركباتهم، وهذا شبيه بالتدافع عليها في أي أزمة وعلى المخابز، وباتت لعبةً هناك مَن يتسلى بها.
بالتالي هناك دور يجب أن نركز عليه أكثر في جمعية حماية المستهلك الفلسطيني وهو جهد غير مقطوع ويستهدف العشرات من فئات المجتمع، إلا أن طبيعة الإنسان ترجع لذات مربعها مع كل أزمة، دون الاستناد لكل محتويات التوعية أو النشرات أو الأفلام الترويجية. وهذا لا يعفينا من واجبنا ودورنا، خصوصاً أن كل الأطراف تُحصّن نفسها بأُطُر متعددة وتصدر ورقة دون ترويسة ولا توقيع فتوقع البلد في كارثة، ونحن الناس لا نحصّن أنفسنا بل نجلد أنفسنا ونتّهم أنفسنا ونلوم ذواتنا!!!!!!!!!!
انفجرت الأزمة في محطات الوقود مع انعكاساتها كانت في الرأي العام. وغابت هيئة البترول وسلطة النقد والبنوك وتركت الناس في حَيص بَيص، وتركت محطات الوقود تعلن وتنفي وتعلن وتنفي، حتى أنك بتَّ لا ترى الا مواكب من السيارات تعاني من أزمة خانقة في وسط المدن، لأن الكل ذاهب صوب تلك المحطات.
المهم أننا بتنا نسمع مصطلحات جديدة في البلد من أهل العلم كنا نسمعها ولا نقيم لها وزناً مثل “المال الأسود” الذي يُراد تبييضه فيتراكم في البنوك ويزيد ويتحول الى عبء على البنوك، وسلطة النقد لا تجد حلاً منذ سنوات مضت والبنوك تصرخ، وكنا نظن أن الأمر مبالغة ولكنه واقع، والمصيبة أن الضحية هو المواطن البسيط الذي يعاني الفقر والبطالة، ويضاف عليه عبء تراكم الشيكل، والمحزن أن أحداً لا يستطيع ضخ هذه المتراكمات في الاقتصاد الفلسطيني بأي شكل من الأشكال.
ببساطة على هامش النقاش كان الطرح: لماذا لا تقدَّم هذه الأموال للحكومة لتدفع راتباً كاملاً طالما أنها عبء وغير مستثمَرة ولا تُعاد للبنوك الإسرائيلية؟!. ابتسم صديقي الأستاذ الجامعي وقال: بنرجع لنفس المربع. استغربت فأوضح: يصرف الراتب منها فيأخذ البنك حصته من القرض، ويأخذ غيرها من الاقتطاعات، ثم يذهب الموظف الى السوق، وفي ساعات المساء تعود لتتراكم في البنوك وتزيد دون حل للأزمة طالما أن البنوك الإسرائيلية لا تعترف بها ولا تتسلمها.
لمعت في رأسي فكرة، وكان قد سبقني اليها الخبراء في القعدة. المطلوب تحويل هذه الأموال الى مشاريع استراتيجية تشغل قطاع المقاولات والإنشاءات وتفتح فرص عمل جديدة وتنعكس على التشغيل والاستثمار، وهذا حل بعيد المدى يطيل أمد عودتها فوراً الى البنوك، وتدخل في الدورة الاقتصادية وتذهب الى مصادر متعددة وتعود بالفائدة على المواطن والبلد.
في النهاية استغربت أنني أنا وزملاء القعدة بنفكر باتجاه للتصدي للأزمة مع محطات الوقود وأزمة الكاش والصرافين وغيره، ولكن سلطة النقد أصدرت رسالة قصيرة بعد انقضاء الأمر، وبعد ان فاضت خزانات وقود المركبات بالوقود ودفع الناس مالاً زاد فائض الشيكل، ووضع الأمر في حجر هيئة البترول وكأننا اكتشفناها حديثاً، والبنوك تصيح وتوضح، وحتى المقترح ذهب بالمال من المحطات الى هيئة البترول وهم يعلمون أنها ستعود إلى حجر البنوك قناة التنفيذ. تُرى هل ستُحمل “شوالات” المال وترسل إلى الشركات المزوّدة للوقود؟ طبعاً لا، ستذهب صوب البنوك.
نحن جميعاً مكونات المجتمع لسنا غافلين ولكن (مطنشين) بمزاجنا، لأننا نحب ان نستغفل، سلطة النقد تعلم تفاصيل المسألة وتعرف المال الأسود وتعرف فائض الشيكل، البنوك تعلم وتعرف أن البنوك الإسرائيلية لا تريد أخذ فائض الشيكل بالمطلق، وهيئة البترول تعلم تماماً أن الموضوع فقط تقاصّ كمية الوقود المزودة لمحطات الوقود ويتم تحصيل ثمنها فقط، وما يزيد عن تلك الكمية ليس شأن هيئة البترول، ولكن الجميع عامل حاله مش عارف ظناً منه أن أحداً لا يسائل.
الواضح أن المواطن هو الضحية والاقتصاد الفلسطيني الضحية الأدسم، لأن فائض الشيكل إن قُسّم على عدد السكان ستكون خسارة على كل مواطن، الاقتصاد لم يستفد منها، الحلول البديلة متوفرة لدى كل ما ذكرنا أعلاه (سلطة النقد، محطات الوقود، البنوك) جميعهم محصنون أنفسهم، أما أنا وأنت وهي وهم وهن سنظل نعاني الى أمد بعيد من حيث ندري ولا ندري، وستظل المصطلحات تمرر لنا بالقطارة (الشيكل الأسود) وكأنني أنا مَن بتُّ خبيراً بالشيكل الأسود وأنا مَن ألعب بالسوق، ولا توجد جهات اختصاص صاحبة قرار بهذا الشأن!!!!!!!!!!!!!